هل أصبحت تركيا غالية؟ نظرة واقعية على الأسعار والعقارات والاقتصاد في 2025
خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت الأحاديث عن غلاء المعيشة في تركيا بشكل لافت، حيث يردد الكثيرون أن البلاد أصبحت أكثر تكلفة من دول أوروبية، وأن أسعار الإيجارات والمواد الاستهلاكية باتت تثقل كاهل المواطن والمقيم. لكن هل هذه الصورة دقيقة بالكامل؟ وما هي الحقائق الاقتصادية خلف هذا الواقع؟
أسعار العقارات والإيجارات: انخفاض في البيع وارتفاع في الإيجار
منذ عام 2021 شهد السوق العقاري التركي طفرة سعرية كبيرة، لكن مع نهاية 2024 وبداية 2025 انخفضت أسعار البيع بشكل ملحوظ. على سبيل المثال:
- شقة غرفة وصالة كانت تباع بـ 160 – 170 ألف دولار، يمكن شراؤها اليوم بحوالي 100 ألف دولار.
- شقة غرفتين وصالة كانت تُباع بـ 250 ألف دولار، تراجعت أسعارها إلى حدود 160 – 180 ألف دولار.
في المقابل، الإيجارات شهدت العكس تمامًا. فالعقار الذي كان إيجاره 200 دولار أصبح يصل إلى 800 – 1000 دولار، خصوصًا في المشاريع الحديثة المقاومة للزلازل، بينما العقارات القديمة أو البعيدة عن المراكز السياحية بقيت إيجاراتها منخفضة نسبيًا.
هذا يعني أن السوق العقاري اليوم يمثل فرصة ذهبية للمستثمر، حيث يمكن شراء عقار بسعر منخفض وتحقيق عائد إيجاري يصل إلى 8 – 10%، وهي نسبة أعلى من المعدل العالمي.
السياحة: ارتفاع مؤقت بسبب الضرائب
القطاع السياحي في تركيا تأثر بشكل مباشر بسياسات التقشف الحكومية ورفع الضرائب بعد زلزال الجنوب. تكاليف الإقامة، النقل، والخدمات السياحية تضاعفت تقريبًا مقارنة بالسنوات الماضية.
لكن هذا الارتفاع ليس دائمًا، فالحكومة أعلنت أن خطة زيادة الضرائب ستستمر حتى نهاية 2025 أو بداية 2026، على أن يتم تخفيضها تدريجيًا بعد ذلك مع استقرار التضخم وتحسن الاقتصاد.
المواد الاستهلاكية والمعيشة اليومية
المواد الغذائية، الوقود، والملابس شهدت بدورها ارتفاعًا واضحًا في الأسعار. السبب يعود إلى:
- زيادة الرواتب والتكاليف التشغيلية للشركات.
- ارتفاع أسعار الوقود الذي ينعكس على النقل والتصنيع.
- الضرائب المفروضة على معظم القطاعات.
رغم ذلك، بدأت الأسعار تدخل مرحلة استقرار نسبي مع ثبات التضخم، ويتوقع أن تشهد انخفاضًا تدريجيًا مع تخفيف الضرائب في المرحلة القادمة.
الاقتصاد التركي: نحو استقرار طويل الأمد
أكبر تحول في الاقتصاد التركي خلال السنوات الأخيرة هو التوافق مع الأنظمة العالمية في إدارة الفائدة والتضخم. لم يعد قرار الفائدة سياسيًا بحتًا كما كان سابقًا، بل أصبح مرتبطًا بشكل مباشر بمؤشرات التضخم، ما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب.
كذلك تغيّر سلوك المواطن التركي الاستثماري، حيث لم يعد ينظر إلى السيارات أو السلع الاستهلاكية كأدوات استثمارية، بل عاد التركيز إلى العقار والاستثمار الإنتاجي، وهو ما ينعكس إيجابًا على السوق على المدى الطويل.
التوقعات المستقبلية
- 2025 – 2026: بداية الانفراج التدريجي للاقتصاد مع تخفيف الضرائب وانخفاض التضخم.
- العقارات: الأسعار عند أدنى مستوياتها منذ 2018، ما يجعل الفترة الحالية مثالية للشراء.
- الإيجارات: ستبقى مرتفعة نسبيًا خاصة في المشاريع الجديدة، مما يوفر عوائد مغرية للمستثمرين.
- المعيشة اليومية: استقرار نسبي مع احتمالية انخفاض تدريجي في الأسعار بعد 2026.
خلاصة
تركيا اليوم ليست "أغلى من أوروبا" كما يردد البعض، بل تمر بمرحلة انتقالية اقتصادية سببها الضرائب المؤقتة وسياسات التعافي بعد الزلزال.
الواقع أن:
- الشراء العقاري أصبح فرصة استثمارية مميزة.
- الإيجارات مرتفعة لكنها تعكس توازن العرض والطلب.
- السياحة والمعيشة تأثرت بالضرائب لكنها مرشحة للعودة إلى مستويات طبيعية قريبًا.
بكلمات أخرى، من ينظر بعمق إلى السوق التركي يرى أن الغلاء الحالي ليس نهاية المطاف بل مرحلة مؤقتة تسبق استقرارًا أقوى وفرصًا أكبر.